اسمحي لي بأن أقول .....
أتوقف على باب نهرك مصافحا للتاريخ ، اذرف دموعا طالما حبستها بداخلي .. دموع ليست دموع فرح أو حزن ، دموع رسمتها الأيام بريشة الحياة ...
أقف هنا اليوم ممجدا أيام البطولات ، أيام الخوالي ، أيام الانتصارات .. عندما كنت صغيرا كنت أنا المنتصر دائما ، عندما كنت صغيرا كنت أنا الفارس ، عندما كنت صغيرا أنا المحامي الذي يدافع عن حقوق المغتصبين .
أه ثم أه لكم دافعت عنك مرارا ، ولكم تحملت عنك مرارة الأيام ، ولكم سهرت الليالي على سريرك انتظر ابتسامة منك تطمئنني بأنك بخير .
دارت الأيام ودارت معها رحى الأحلام ، واستنارت بخواطرها السنين ، فلم أجد حتى بصيص أمل يمد لي خيوط المتابعة . فقدت إحدى عيني بعدما ضربتها بسهم منك ، فقدت قلبي المسكين الذي كان يهفو شوقا غلى لقاءك وسماع ضحكاتك المبهمة .
أنتي كائن غير حي ، لماذا وجدت فيك الروح .. هل لتعذيب البشر ، أم للانتقام من اللاوعي .. بسماتك ضحكاتك نظراتك فيها لغز محير أبدع منك انسانة يتهافت عليك العشاق .
لا ادري لماذا يتهافت إليك العشاق هكذا !!! أهو لجمالك أم لابتسامتك التي لا تتوقف أم لأغراض في نفس يعقوب ......
ضحاياك كثيرون وكثيرون . منهم الزمن والحياة والكلام والبسمة والقلب الطيب ... أما أنا فلم أكن من ضحاياك ، بل أنا الفارس الغريب الذي دخل من الباب الكبير بدون استأذن وحطم بسيفه كبريائك الللامتناهي .
دخلت من الباب الكبير فإذا بهوة قلبك كالمقبرة التي دفن فيها عظماء الرومان ، فتساءلت حينها هل أفلاطون وأرسطو هم من ضحاياك .
التنازل عن المبادئ شي عظيم في هذه الحياة ، أما التنازل عن الأمجاد فشيء أعظم ...، بينا هناك تتلاعب الأنفاس مع التكوين السيكولوجي للشخصية المبدعة .. .
سوف أقف أنا بعد برهة من الزمن على شاطئ البحر لأرمي من على ظهري سنين عشتها ، سوف ارمي قلبا قد فرقته الليالي واستحته أفكار الحنين وسيطرت عليه مبادئ الأيام ... سوف اخلع حينها عباءتي المظلمة لارتدي عباءة البحر الذي لا يعرف التوقف ، عباءة سوف تذهب بي إلى أعماق البحار لأسبر أغواره ، عباءة تجمع فيها روعة المنظر ونسيم الليل وغدر الطوفان ، عباءة تجمع فيها انتصار الكبير على الصغير والعيش اللامتكافئ بين نواميس البحر .
هذه العباءة سوف تظلني منك ، ومن قلبك اليتيم الذي أصبح يقلب كفيه على فعلته القديمة مع الزمن ، وأصبح منهرما بفعل الأيام والأصحاب وينادي لليل بأن يسجد له ولكن لا حياة لمن تنادي .
فسيري أنت أيتها المظلمة العوجاء في الدرب لوحدك ، فأصحابك قد تركوك في منتصف الطريق لوحدك وسط الغابة الموحشة ، سيري إلى غير هداك واطلبي الغفران والسماح لعل أحدا يسمع صوتك بين تنهدات الغابة والأشجار ، واجمعي الورود لتقديمها كقربان للزمان لعه يسامحك ...
أيها البحر ضمني بين عتباتك ، ولفني تحت عباءتك لعلني أجد فيك الملجئ الأخير لي ،، واذهب بي بين أمواجك لأغسل ما تبقى بداخلي من العفن القديم لعل قلبي يشفى من مرضه المزمن ،، ليها البحر احضني بين ذراعيك لعلني أموت وأستريح من غصة الحياة المؤلمة ،، لأموت وأموت وأهدي إليك قلبي لعلك تجدين فيه بقايا ذكريات قد تنور لك دربك المظلم في الغابة ،،، نعم لسوف أهديك قلبي بعدما أموت ليكون لديك ذكريات إنسان قد لفظه البحر ورحب به بعدما رفضه الجميع .. فشكرا لك أيها البحر وشكرا لقبلك الواسع .... ...
أفلاطوووون